المقاومة هوية وطنية راسخة: قراءة في خطاب سماحة الشيخ نعيم قاسم

0 minutes مدة القراءة
788 مشاهدة

كتب حسين مرتضى ..

المقاومة في لبنان ليست مجرد خيار سياسي يخضع للتجاذبات، بل مشروع وطني متكامل يستمد شرعيته من التاريخ، ومن الدماء التي سالت دفاعًا عن الأرض والكرامة، ومن النصوص الدستورية التي أقرت حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم ضد أي عدوان خارجي.

هذا الموقف يأتي في وقت يشهد فيه لبنان والمنطقة تصعيدًا سياسيًا وأمنيًا، ما يجعل من خطاب الشيخ قاسم رسالة مزدوجة: تطمين للداخل اللبناني بأن خيار المقاومة باقٍ، وتحدٍ للخارج الذي يسعى إلى فرض أجندات تُفرّغ البلاد من عناصر قوتها.

أولًا: المقاومة كضرورة وجودية وليست خيارًا سياسيًا

أوضح الشيخ قاسم أن سلاح المقاومة سيبقى ما دام الاحتلال والعدوان قائمين، في إشارة واضحة إلى أن الظروف التي وُلدت منها المقاومة لم تنتهِ بعد، وأن التهديدات الإسرائيلية لم تتراجع، بل ازدادت تعقيدًا.

هذا الطرح يعكس إدراكًا استراتيجيًا بأن التحرر والسيادة لا يُكسبان بالتمني أو القرارات الورقية، وإنما بصناعة توازن ردع حقيقي يحمي الحدود والشعب. فالتاريخ اللبناني منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 يثبت أن غياب المقاومة كان يعني انكشافًا كاملًا أمام أطماع العدو، بينما وجودها غيّر المعادلات وأعاد للبنان قراره المستقل.

ثانيًا: نقد القرار الحكومي من منظور الأمن القومي

في تعليقه على قرار الحكومة اللبنانية الصادر في 5 آب، قال سماحته إنه يجرّد المقاومة والشعب من وسائل الدفاع أثناء العدوان، واصفًا ذلك بأنه تسهيل لمهمة الاحتلال في قتل المقاومين والمدنيين.

هذا النقد لا يُقرأ فقط كخلاف سياسي، بل كتحذير من سياسات يمكن أن تؤدي إلى فراغ أمني خطير. فالدولة، بحسب منطق الأمن القومي، يجب أن تحافظ على جميع عناصر قوتها، الرسمية وغير الرسمية، لا أن تتخلى عنها تحت ضغط خارجي.

ثالثًا: المقاومة كجزء من بناء الدولة

رغم الطابع الصارم في المواقف، حرص الشيخ قاسم على التأكيد أن المقاومة ليست نقيض الدولة، بل شريك في بنائها، إذ قال: “إما أن يبقى لبنان ونبقى معًا، أو على الدنيا السلام.”

هذا الموقف يعكس فلسفة تعتبر أن الدولة القوية تحتاج إلى مجتمع قوي، وأن المجتمع القوي لا يتشكل إلا بوجود منظومة دفاعية تحمي مكتسباته. وبالتالي، فإن المقاومة، وفق هذا المنظور، ليست عبئًا، بل عنصرًا داعمًا لبنية الدولة، خاصة في بيئة إقليمية مضطربة.

رابعًا: الشرعية من الشعب والتاريخ لا من الخارج

أكد سماحته أن المقاومة لم تأخذ شرعيتها من أي حكومة، بل من اتفاق الطائف، ومن نصوص الدستور، ومن دماء الشهداء. هنا يوجّه رسالة واضحة بأن شرعية المقاومة متجذرة في الإرادة الشعبية وفي الوجدان الوطني، وهو ما يجعلها عصية على الإلغاء أو المساومة.

هذا المفهوم للشرعية يُضعف محاولات الخارج لاستخدام الأدوات السياسية الداخلية لنزع سلاح المقاومة، لأنه يربط وجودها بعمق الهوية الوطنية.

خامسًا: الدعم الشعبي كعامل حاسم

استند الشيخ قاسم إلى نتائج استطلاع للرأي أجراه “المركز الاستشاري للدراسات”، بيّن أن أغلبية اللبنانيين تؤيد استمرار المقاومة. هذا المؤشر لا يُقرأ فقط كرقم، بل كدليل على أن الوعي الجمعي للبنانيين ما زال يرى في المقاومة صمام أمان ضد التهديدات الإسرائيلية، حتى في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد.

سادسًا: أبعاد إقليمية للخطاب

لا يمكن قراءة خطاب سماحته بمعزل عن المشهد الإقليمي؛ فالمنطقة تشهد إعادة تشكيل للتحالفات، وعودة الحديث عن صفقات أمنية وسياسية قد تُقصي بعض الأطراف. في هذا السياق، يظهر خطاب المقاومة كرسالة بأن لبنان لن يكون ساحة مفتوحة لتجارب التسويات التي تُفقده دوره ومكانته، وأنه يمتلك ورقة قوة يحسب لها الجميع حسابًا.

في الختام إن خطاب سماحة الشيخ نعيم قاسم ليس مجرد رد سياسي على قرار حكومي، بل هو وثيقة موقف تحدد رؤية واضحة لمستقبل لبنان: دولة ذات سيادة، مقاومة لأي عدوان، وموحدة في مواجهة الأخطار.

هذه الرؤية، التي تستند إلى الشرعية الشعبية والتاريخية، تجعل من المقاومة ليس فقط قوة عسكرية، بل منظومة فكرية واجتماعية تحافظ على توازن لبنان أمام محاولات الإضعاف. وفي ظل التحديات الراهنة، يثبت خطاب الشيخ قاسم أن خيار المقاومة ما زال الأكثر واقعية وفعالية للحفاظ على الكرامة الوطنية.