تقارب إقليمي متصاعد وهواجس الأمن القومي: قراءة تحليلية في متغيرات المشهد العربيّ ـ الإقليمي

0 minutes مدة القراءة
858 مشاهدة

شهدت الساحة الإقليمية خلال الفترة الأخيرة مؤشرات متعددة على إمكانية إعادة رسم بعض خطوط الاشتباك والتحالف بين دول إقليمية فاعلة، الأمر الذي قد يؤثر بشكل مباشر على توازن القوى في المنطقة، وعلى مسارات الصراع مع كيان الاحتلال. في هذا المقال الصحفي التحليلي نستعرض المحاور الأساسية للمشهد الحالي، ونحاول استخلاص دلالات التقارب المتوقع بين اليمن والسعودية، وأثر احتمالات تقارب أوسع يشمل مصر وإيران والسعودية، بالإضافة إلى انعكاسات ذلك على لبنان وملف سلاح المقاومة ودور الفاعلين الدوليّين، بما في ذلك الولايات المتحدة.

مفردات المشهد: تقارب ظاهري… واعتبارات استراتيجية

المعطيات المتاحة تشير إلى تحركٍ نحو تقريب وجهات النظر بين أطراف إقليمية عدة. يعتبر الحوار اليمني — السعودي علامة مهمة في هذا الاتجاه، وربما يكون مدخلاً لمبادرة إقليمية أوسع إذا استمرت ديناميكية الحوار. وفي هذا السياق، يؤكد المتحدثون أن الحديث عن التقارب لا يرتبط بتقديم تنازلات جوهرية، بل ببلورة أرضية تفاهم تتيح إدارة الخلافات وتحجيم مصادر التوتر.
دلالات التقارب اليمني ـ السعودي وإمكاناته الإقليمية

نجاح الحوار اليمني ـ السعودي قد يفتح الباب أمام مبادرات جديدة وإعادة مسارات التفاوض؛ وما لمسه المراقبون من إشارات إيجابية قد ينعكس بدوره على استقرار المنطقة، خصوصاً إذا تزامن مع تقارب أوسع بين دول محورية مثل إيران ومصر. مثل هذا التشابك بين القاهرة وطهران والرياض سيشكل تحدياً واضحاً لإسرائيل من زاوية تقويض مشروع التوسع وخلق جبهة إقليمية لصالح ضبط الاعتداءات وحفظ الأمن القومي العربي ـ الإسلامي، وفق ما تذهب إليه قراءة معنية بالمشهد.

لبنان وسلاح المقاومة: توترات داخلية وإقليمية

يشكل ملف السلاح في لبنان محوراً مركزياً في التحليلات الراهنة. هناك رفض لطلب تسليم السلاح بوصفه طلباً غير عملي، ودعوة لقوى سياسية لتعديل مواقفها، وعلى رأسها حكومية، وفق قراءة تقول بضرورة فهم الواقع الميداني. وتبدو هناك دعوات لتبني مقاربة رئاسية خاصة بملف السلاح تستخدم الضغوط على الإدارة الأمريكية لتغيير سياساتها في لبنان. كذلك تُعطى أهمية خاصة لمبادرات محلية وإقليمية — من زيارات دبلوماسية ومشروعات تقارب — كآليات لإيجاد ورقة قابلة للنقاش بين الأطراف اللبنانية والسعودية والإيرانية.

توظيف الزيارات والدبلوماسية: لاريجاني وبوادر التحول

تُقرأ زيارة الدكتور علي لاريجاني إلى لبنان كخطوة مفصلية أعادت طهران بقوة إلى طاولة المنطقة، ورافقتها رسائل دبلوماسية مهمة مع قادة لبنانيين. كما أن خطاب قيادات محلية، بما في ذلك كلمات قادة المقاومة، أعاد بلورة النقاش حول قدرة هذه المحاور على الصمود والتأثير في المسارات الإقليمية.
الولايات المتحدة وإسرائيل: ضغوط استراتيجية وقيود على التحرك
في المقابل، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً اقتصادية وسياسية على أنظمة ومؤسسات لبنان، وتستخدم أدوات منع تنفيذ إعادة الإعمار والحد من منابع تمويل من تعتبرها بيئة مقاومة. كما أن المواقف الأمريكية تُقرأ بأنها تسعى إلى الإبقاء على المشهد السياسي القائم بما يخدم مصالحها في المنطقة. إسرائيل من جهتها، تعمل على توظيف خيار العمليات المصغرة أو التصعيد المتقطع، مع الإبقاء على احتمالات أوسع — لكنها تواجه واقعة أن بناء منطقة عازلة أو احتلال برّي واسع في جنوب لبنان يواجه مقاومة شعبية وميدانية تحول دون تحقيق أهداف استراتيجية سهلة.

مخاطر وتوقّعات: بين التصعيد المحدود والخيارات الأوسع
التحليلات تشير إلى أن إسرائيل قد تدرس خيارات متعددة: حرب برّية واسعة (معروف أنها مكلفة وصعبة النتائج)، أو سلسلة عمليات تصعيدية موزعة تستهدف بيئة المقاومة، أو حتى توسيع الجبهات إلى دول مثل اليمن أو العراق أو إيران في سيناريوهات متزامنة. لكن قدرة العدو على تحقيق اختراق استراتيجي تبدو محدودة بالنظر إلى المقاومة الشعبية والتجارب السابقة التي أثبتت صعوبة تثبيت مواقف احتلالية طويلة الأمد.

خلاصة واستنتاجات: لماذا يهم التقارب الإقليمي؟
أمن استراتيجي جديد: أي تقارب بين السعودية ومصر وإيران، إضافةً إلى تحسن في علاقات اليمن مع محيطه، قد يخلق أرضية جديدة لردع التمدد والاعتداءات، ويمثل إضعافاً لمصادر النفوذ الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة.
قوة تفاوضية لبنانية: وجود اتجاه إقليمي يدعم مواقف لبنان قد يمنح السلطات اللبنانية — وبخاصة الفرقاء الحريصين على السيادة — هامشاً أكبر للضغط على الجهات الدولية للإقرار بحقوق وسياسات متوازنة إزاء سلاح المقاومة وإعادة الإعمار.
ضغوط أمريكية وإسرائيلية مستمرة: رغم تقارب إقليمي محتمل، ستبقى واشنطن ومصالحها أدوات ضغط مؤثرة، مما يستدعي مراعاة توازنات دقيقة من قبل الحكومات العربية في أي خطوة تقاربية، تجنباً للتصادم المباشر أو إجراءات انتقامية.
أولوية بناء أرضية عربية ـ إسلامية مشتركة: نجاح أي مسار تقاربي يتطلب صياغة قرار موحد أو أرضية مشتركة تضمن دعماً عربياً وإسلامياً. عدم وجود هذه القاعدة قد يؤدي إلى تفكك مكتسبات التقارب أو تحويلها إلى توازن هش.

توصيات سياسية عملية :
العمل على صياغة وثيقة عربية ـ إسلامية مشتركة تُحدد الخطوط الحمر والمرتكزات الأمنية والسياسية إزاء ملفات المقاومة والسلام والاحتلال.
دعم مسارات الحوار اليمني ـ السعودي كأولوية إقليمية وتخفيف الخطابات الاستفزازية التي قد تعرقلها.
تحريك قنوات دبلوماسية متعددة المسارات (مصر، إيران، السعودية، لبنان) لتقليل فجوة الثقة بين الأطراف وخلق آليات مراقبة للالتزامات المتبادلة.
توظيف الوساطات الإقليمية لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تستهدف بيئة المقاومة وإيجاد حلول عملية لإعادة الإعمار والانتخابات.

ختاماً، يبدو أن المنطقة تقف عند مفترق طرق: تقارب إقليمي محسوب ومبرمج قد يمنح فرصة لاحتواء التوتر وتقليص مساحة التصعيد، بينما استمرار نمط الضغوط والاحتكاك قد يدفع نحو مناخ تصاعدي لا يخدم استقرار أحد. المفتاح يكمن في قدرة الفاعلين الإقليميين على تحويل قراءاتهم الأمنية المتقاربة إلى خطوات عملية قابلة للتطبيق، وبناء أرضية عربية وإسلامية داعمة تحمي المكتسبات وتخفف المخاطر.